العمل التنموي الخيري الإقليمي في أوقات الحرب: غزة

نشرت يوم الخميس, 26 أكتوبر, 2023

الصورة © معتز عزايزة: مصور صحفي.


عندما بدئنا كتابة هذه المدونة، كان هدفنا هو التعمق في قضية الفقر العالمي كقضية ملحّة، واستكشاف طرق مبتكرة للعمل التنموي الخيري لتخفيف المعاناة في جميع أنحاء العالم. ولكن حقيقةً، نجد صعوبة كبيرة في غض الطرف عن الكارثة الإنسانية الحالية في غزة، والتي نتوقع أن تؤدي إلى كارثة عالمية إذ لم نتمكن من إيجاد حل فوري لها.


نود أولًا، وقبل كل شيء، أن ننعى الشهداء وأن نتقدم بخالص العزاء والمواساة لأهالي الضحايا في غزة التي لا تزال تحت الحصار والقصف المستمر والمتزايد. ثانيًا نعتقد أنه من غير الواقعي أو العادل أن نناقش مسألة الفقر العالمي بينما تعيش أمة عربية بأكملها تحت الحصار، وتواجه معاناة لا توصف، تصل إلى تهديد بالإبادة الجماعية. هدفنا في هذه المدونة ليس الانخراط في مناقشات سياسية أو تقديم مبررات أيديولوجية، بل ترتكز مهمتنا على القضايا الإنسانية والالتزام بمعالجة هذه الأزمة من خلال دعوة الجهات الفاعلة الخيرية والإنسانية في جميع أنحاء العالم بشكل عاجل للعمل.


يوافق 17 أكتوبر اليوم العالمي السنوي للفقر، ويجب أن نعترف بأننا شهدنا في السنوات الأخيرة ارتفاعًا مقلقًا في معدلاته، مدفوعًا بعوامل عدة مثل تبعات جائحة كورونا COVID-19 والصراع الروسي الأوكراني. هذا الارتفاع في معدلات الفقر العالمي والإقليمي من المتوقع أن يزداد بسبب الحرب المستمرة في غزة.


حذر مقال نشرته بلومبرج أن الصراع الحالي لن يظل محليًا، ومن المرجح أن يتصاعد إلى حرب أوسع تطال جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى إغراق العالم في ركود اقتصادي عميق. وتقدّر تكلفة حدوث هذا السيناريو بحوالي 1 تريليون دولار، إذا تطور الأمر إلى صراع مباشر بين إسرائيل وإيران. لذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكننا تحمل صدمة اقتصادية أخرى بعد التأثير المدمر لجائحة كورونا والصراع الروسي الأوكراني؟ والجواب الحتمي هو أننا لا نستطيع تحمّل تلك التكلفة.


وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في غضون ثلاثة أشهر فقط بعد الحرب الروسية الأوكرانية، سقط قرابة 71 مليون شخص من العالم النامي في قبضة الفقر. لا يمكننا أن نتوقع بشكل معقول آثار أقل للصراع الحالي. حيث تفيد المؤشرات أن أي حرب محتملة لن تقتصر حدودها على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل سيصل مداها إلى جميع أنحاء العالم، مما يؤثر على الاقتصادات ويسبب ارتفاعًا في أسعار النفط، كما هو موضح في مقال بلومبرج السابق.


إن الموقف العالمي المترتب على هذه الأحداث الأخيرة ينبئ بكارثة تلوح في الأفق. وإذ لم نتصرف - كوننا جزء من المجتمع العالمي - بسرعة وحسم، فإننا نجازف بمستقبل محفوف بالمخاطر لا يمكن التنبؤ به. وبصفتنا جهات فاعلة في المجال التنموي الخيري في مصر، وتضامنًا مع المنظمات الخيرية والإنسانية الأخرى في مصر والأردن ولبنان وفلسطين وعبر المنطقة العربية، التي اختارت إعادة توجيه مواردها لتقديم الدعم الفوري لضحايا غزة. ومع تطور هذه الأزمة، فإننا ندرك احتياج هذه المنظمات إلى موارد إضافية لتلبية احتياجات مجتمعاتهم، جنبًا إلى جنب مع توفير الاحتياجات اللازمة لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل عقبات الانتظار في غزة.


سعيًا نحو تلك الغاية، ندعو المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم إلى اتخاذ إجراءات فورية لتوفير الدعم الحيوي اللازم وتعزيز موارد هذه المنظمات الخيرية، من أجل سد فجوة الموارد وتخفيف الضغط المتزايد على إيصال المساعدات إلى أهالي غزة. 


الوقت هو جوهر المسألة، ففي غضون أسبوعين فقط شهدنا المقتل المأساوي لأكثر من ألفي طفل حتى الآن، بينما لقي آخرون حتفهم بسبب افتقار الوصول إلى الموارد اللازمة لإنقاذهم. إن رفض الحكومة الإسرائيلية دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة رغم مناشدات الكثيرين في المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، يعني أن كميات الغذاء والماء والوقود في غزة أوشكت على النفاذ أو نفذت بالفعل.  كما أن المستشفيات، سواء تلك التي تعرضت للقصف أو التي لم تتعرض، فهي غير مجهزة لرعاية أعداد كبيرة من الجرحى والمحتضرين بدون كهرباء. وعندما سمح الاحتلال بدخول المساعدات إلى غزة، تم تقييد كمياتها فلم تعد كافية بأي حال من الأحوال لتلبية احتياجات الناس. والآن، مع التهديد الإسرائيلي بتوغل بري في غزة، فإن احتمال وقوع المزيد من الضحايا أمر متوقع للغاية، مما يزيد من تعقيد الوضع المتردي بالفعل.


ومما لا شك فيه أن هذه الحرب، التي تتسم بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية، ستكون لها عواقب وخيمة بعيدة المدى، ليس على المنطقة فحسب، بل على العالم بأسره، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار على جبهات متعددة. والسؤال الملحّ هنا: هل نحن مستعدون لعواقب عدم التدخل؟


في هذه اللحظة ذات الأهمية التاريخية، مهما كانت دوافع كل منا، فإن تداعيات هذه الحرب ستكون محسوسة في ارتفاع أسعار الوقود، وتصاعد تكاليف الغذاء والمعيشة، والضغط المتزايد على جميع جوانب الحياة اليومية في وقت نشهد فيه حالة طوارئ مناخية حرجة بالفعل ستساهم بلا شك في ارتفاع الأوبئة، مما يؤدي إلى سقوط ملايين الضحايا بعيدًا عن مناطق النزاع. فهل نحن مستعدون لمواجهة هذا؟


نوجه نداءً جادًا إلى جميع المنظمات الدولية والقادة السياسيين العالميين: لقد حان وقت العمل. سخّروا كل القوة والنفوذ التي تحت تصرفكم لفعل كل ما هو ممكن من أجل وضع حدٍ لهذه الحرب المدمرة. وعندما نتكلم عن إنهاء الاستعمار والتركيز على جهود القطاع الإنساني، يجب أن نكون مستعدين لمواجهة حقيقة أنه لا يمكن أن يسود السلام بدون عدالة. ولا يمكن أن تكون هناك مساواة بدون إنصاف. عندما ننظر إلى الوضع في غزة، نرى دوامة من العوامل التي تتطلب مواجهتها، نرى تداعيات الاحتلال الوحشي الذي دام لأكثر من ــ 75 عامًا، وسلطة متهمة، من قبل العديد من منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية، بفرض نظام الفصل العنصري وسجن ما لا يقل عن 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة طوال العقدين الماضيين. لذلك، فإن الأزمة الإنسانية التي نشهدها اليوم لم تتكون في فراغ؛ بل تكونت عبر تاريخ معاصر مليء بعدم المساواة والظلم والقمع المنهجي. نعترف أن العمل التنموي والخيري قد لا يكون في وضع يسمح له بالتأثير على القرارات السياسية المطلوبة لكي تسود العدالة، إلا أنه قادر على لعب دورًا محوريًا في توفير الدعم الإنساني الفوري لسكان غزة، مع تعبئة الموارد الإضافية أيضًا لتلبية الاحتياجات طويلة الأجل لإعادة البناء والتأهيل والتعافي من التداعيات التي تحدث الآن في غزة وما قد يحدث بعد ذلك.


من الجانب المصري، يحشد المجتمع المدني المساعدات الغذائية والطبية وغيرها من المساعدات الإنسانية على معبر رفح الحدودي، حيث تنتظر آلاف العائلات تلك المساعدات. وفي هذا السياق قامت مؤسسة ساويرس بتوجيه تبرعها ودعمها من خلال الجهود المبذولة بالفعل على الأرض والتي يتم تنفيذها بالتعاون مع الهلال الأحمر المصري. وعلى الصعيد الإقليمي والعالمي، يتخذ ملتقى المؤسسات العربية الداعمة الإجراءات التالية لدعم الجهود التنموية والخيرية في غزة:

  1. اتحاد المانحون لدعم غزة: حيث يدعو ملتقى المؤسسات العربية الداعمة الأفراد الذين يتطلعون إلى التبرع، ومجتمع المانحين ككل، إلى دعم جهود المنظمات الفلسطينية العاملة على الأرض في غزة والنظر في تقديم تبرعات مباشرة لهم.
  2. صندوق الإغاثة المشترك لغزة: بالإضافة إلى حملة المانحين لدعم غزة، نقوم بإنشاء صندوق مشترك في ملتقى المؤسسات العربية الداعمة، لدعم المؤسسات المجتمعية الأصغر في غزة والتي تشكل جزءً من شبكتنا، ولكن ليس لديها نفس الإمكانات مثل المنظمات الأكبر والأكثر رسوخًا لتلقي وإدارة الأموال والمنح.
  3. يطلق منتدى المؤسسات العربية الداعمة فرقة العمل المعنية بالإغاثة الإنسانية وإعادة التأهيل الإنساني (HRRTF) في أقرب وقت، وتتمثل أهدافها لتحقيق الآتي:
  • دعم التنسيق والتعاون بين المؤسسات العربية والمنظمات غير الربحية العاملة في الأزمات والسياقات الهشة. ستتألف فرقة العمل بشكل أساسي من أعضاء المنتدى، ولكنها مفتوحة أيضًا لمشاركة غير الأعضاء مع إمكانية الانضمام إلى عضوية المنتدى.
  • العمل كآلية مؤسسية لإعلام وتنسيق التدخلات العربية للمؤسسات والمنظمات غير الربحية في الأزمات والسياقات الهشة، بهدف جعلها أكثر ملاءمة وفعالية وخضوعًا للمساءلة أمام المجتمعات المحلية.
  • تحديد احتياجات التعافي ودعم انتقال القطاع الخيري وغير الربحي من مرحلة الطوارئ إلى مرحلة التعافي، وإبلاغ استجابة القطاع الخيري وغير الربحي العربي في الوقت المناسب وبطريقة موثوقة.
  • تعزيز توطين وتمكين المجتمعات المحلية في الأزمات والسياقات الهشة من خلال تحديد قدراتها واحتياجاتها التمويلية ودعم جهود التوفيق بين الأطراف.
  • دعم تبادل المعلومات نحو العمل المتسق والتعاون على مستوى العمل التنموي الخيري وخارجه.


وأخيرًا، ندعوكم إخواننا وأخواتنا العرب إلى استخدام جميع الموارد المتاحة لكم لحشد الدعم والدعوة إلى العدالة والتذكير بإنسانية قضيتنا. وباعتبارنا ممارسين للعمل التنموي الخيري، وهو قطاع يحدده استخدام الثروات الخاصة من أجل الصالح العام، نحتاج إلى إدراك أن الثروة ليست فقط نقدية، بل تكمن ثروتنا في تكاتفنا. ولذلك وجب علينا حماية وتأمين مستقبل المجتمعات الفلسطينية، وهي قيمة متأصلة في نسج مجتمعاتنا، كما يجب علينا بشكل جماعي أن نناصر دعاوي تعبئة الموارد لدعم جيراننا في غزة وضمان مستقبلهم. وإلا فما الجدوى من عملنا؟

المؤلف

عبد الرحمن ناجي
ينصب اهتمام عبد الرحمن ناجي بشكل رئيسي على المشروعات البحثية والتي تتناول على سبيل المثال السمات الوظيفية، وتحسين جودة دور حضانات الأطفال وإمكانية تأثير ذلك على مشاركة المرأة في القوى العاملة. قبل انضمامه لمؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية كمدير للتعلّم والاستراتيجيات، شغل عبد الرحمن منصب مدير معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر (J-PAL) في مصر، والمدير المساعد للأبحاث في معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. حصل عبد الرحمن على درجة الماجستير في الجودة والرقابة الإحصائية من جامعة القاهرة بالإضافة إلى ماجستير التعليم الدولي والمقارن من الجامعة الأمريكية بالقاهرة ويقوم حاليًا بالعمل على أبحاث الدكتوراه في جامعة ماستريخت بهولندا.
نائلة فاروقي
لدى نائلة خبرة أكثر من 20 عامًا في إدارة المشروعات والإنتاج الإعلامي والاتصال الاستراتيجي. حازت على جائزة بيبودي، وبنت سيرتها المهنية عبر عدة قارات. فبعد العمل لسنوات في ورشة سمسم، والتي أنتجت تعديلات محلية لبرنامج الأطفال التعليمي الشهير «شارع سمسم»، تولت نائلة منصب المديرة التنفيذية لملتقى المؤسسات العربية الداعمة (AFF) في عام 2014. ومنذ ذلك الحين، أسهمت في تنمية الشبكة في أكثر من 10 دول من كافة أنحاء المنطقة. يضم الملتقى حاليًا شبكة غنية من الأعضاء الذين يمثلون البيئة الحاضنة للأعمال التنموية الخيرية وغير الربحية ومؤسسات المجتمع المدني والجهات الفاعلة في مجال التنمية. حصلت نائلة على بكالوريوس الآداب في علم النفس من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ونشرت كتاباتها في العديد من المجلات العلمية مما أسهم في إثراء الأبحاث الأكاديمية وتوفير البيانات حول قطاع العمل الخيري العربي.